أخي الكريم/أختي الكريمة شكراً لاقتنائك هذا الكتاب والذي يتعاظم فيه أملي في جعلنا متفائلين عسى الله أن يعيننا على التغيير .
واسمح لي أخي القارئ/أختي القارئة أن أختم كتابي بقصة جميلة قرأتها في كتاب (هكذا هزموا اليأس)بعنوان : ( الأمل البعيد.. قصة واقعية ) تقول كاتبة القصة :
(قد تتعجبون عند قراءتكم لقصتي وقد تقولون : أنها ضرب من الخيال ولكن لتعلموا أن كل حرف فيها ينبض بالصدق والحقيقة فقد نسجتها لكم من خيوط معاناتي .. لتعرفوا فقط أنني ما عانقت اليأس فيها يوماً لأنني توكلت على ربي سبحانه وفوضت أمري إليه فمنحني قوة الإيمان والأمل .. التي جدفت بهما حتى رسوت في النهاية على ميناء السعادة والحقيقة ، فاقرؤوها.. لتزرعوا الأمل فيما بعد في جنبات حياتكم .. ولتطردوا منها كل طائر يأس قد يعشش فيها .
عشت طفولة بائسة أقل ما يقال عنها بأنها كئيبة مظلمة وسط أسرة فقيرة لا تكاد تجد ما تسد به رمقها من الجوع .. لم أعرف طعم الحلوى والسكاكر كباقي الأطفال في طفولتي البائسة تلك ، ومازلت أذكر كيف أننا كنا ننتظر الأعياد ومناسبات الأفراح لجيراننا وأهل الحارة بفارغ الصبر والترقب لأننا نتذوق من خلالها اللحوم والفواكه التي نحرم منها طوال العام .. كانت أسرتي أسرة مفككة لا يكاد أي فرد فيها يشعر بالآخر فلكل منا عالمه الخاص المغلق عليه هو فقط ولا يستطيع أي كان أن يدخل إليه لا لأن أبوابه موصدة بقوة .. بل لأن أيا منا لم يكن ليهتم بدخول عالم الآخر فكل فرد من أسرتي للأسف كان لديه ما يشغله من أعمال وخصوصيات يخجل قلمي من ذكرها ..!!
كان أبي يعمل " مستخدماً " في أحد المعارض وراتبه البسيط لا يصل بالأسرة الكبيرة إلى نهاية الشهر بأمان .. بل كثيراً ما تتوقف بنا سفينة الحياة في منتصف الشهر .. هذا بالرغم من بؤس عيشنا وشظف حياتنا!!
كان والدي إنساناً سلبياً قانعاً من الحياة بعشرة أطفال مشردين في الشوارع أحياناً لا يعلم عنهم شيئاً .. وربما كان لاستخدامه المخدرات في بداية حياته وكثرة دخوله وخروجه من السجن آثاراً سلبية جعلته لا مبالياً بكل ما حوله .. كنت أشفق عليه أحياناً وأنا أرى نبتة الأمل تذبل في نفسه يوماً بعد الآخر كان كثير الصمت والشرود لا يحرك ساكناً ولو انهارت الدنيا من حوله .. أو كأنما هو أحس بأن خيوط حياته قد أفلتت من بين يديه فآثر ألا يركض وراءها فأذعن لها بكل انهزامية واستسلام .. أما والدتي واعذروني إن تحدثت عنها بهذه الطريقة المؤلمة .. فالحقيقة أشد إيلاماً ، فقد كانت تتسكع بين بيوت الحارة طوال يومها وكأنها لم تستوعب يوما أنها زوجة وأم .. عليها واجبات تجاه زوجها وأبناؤها وكانت دائماً تنظر إلى ما في أيدي الآخرين وتحسدهم على ما أنعم الله به عليهم وتستجديهم وتريق ماء وجهها ليجودوا عليها بعض الفتات، فكأن أمي وأبي قد اعتبروا أن هذه الأسرة مصيبة حلت عليهم فهم يخشون مواجهتها أو حتى التعايش معها ..!! أما إخوتي فحدث ولا حرج فهم يعيشون بين جنبات الشوارع بلا هدف ولا معنى .. وأغلبيتهم انحرفوا عن جادة الصواب والطريق القويم دون أدنى مساءلة من أبي وأمي .. حتى إخوتي البنات لم يقمن وزناً للأخلاق ولا للشرف ولا حتى لنظرة المجتمع من حولهن ..!! والكارثة العظمى أن إخوتي بمجرد وصولهم إلى الصف الرابع الابتدائي فإنهم يتسربون من مدارسهم بلا سبب سوى ضجرهم وعدم قدرتهم على النهوض صباحاً فيقررون هكذا الانقطاع عن المدرسة دون حسيب أو رقيب والاكتفاء بالتقلب داخل رحم التخلف والانحراف والتشرد .. في ظل شرود أبي وتسكع أمي بين شوارع الحارة.
عشت هذه الطفولة الكئيبة وأنا كارهة لوضعي ناقمة على أمي وأبي اللذين تجردا من أشرف وأسمى لقب في الوجود ، متشبثة بدراستي ، وكأني بقوة سمكة صغيرة مرتجفة تسبح ضد التيار الذي لا يرحم ، وقد كنت من المتفوقات بالرغم من قسوة الظروف من حولي وتفكك أسرتي وانحراف أفرادها بلا استثناء .. وسأحدثكم الآن عن اليوم الذي غير مسار حياتي للأبد وفيه بدأت مأساتي الحقيقية والتي لولا إيماني بالله ورحمته بي لما تجاوزتها..
فحين حصلت على شهادة الصف الثالث متوسط وأنا الوحيدة من أسرتي التي وصلت إلى هذا المستوى .. تقدم رجل لخطبتي من أبي وكنت حينها في الخامسة عشرة من عمري أما هو فكان في الستين من عمره مصاباً بالضغط المرتفع والسكري ومدمناً للخمر وتاجراً للمخدرات .. مما يُدر عليه دخلاً مرتفعاً وهذا هو السبب الوحيد الذي جعل لعاب أمي وأبي يسيل ولا يكاد يقاوم الإغراء المادي الذي يتراقص أمامهما بكل بريق ولمعان ، ومن دون تردد وافقا ودون حتى أن يأخذا موافقتي .
صرخت في وجهيهما.. لا أريده.. أريد أن أكمل دراستي.. زوجوه أختي الكبرى .. ولكن للأسف كان صوتي مجرد صدى يتردد من حولي دون أن يسمعه أحد سواي وكأنما كنت أحادث الفراغ اللامتناهي أمامي ، أما والداي فقد أصما عقليهما إلا من نداء المال!! قبضت أسرتي ثمن البيعة الخاسرة وهي مسرورة بالرغم من علمهم بأنه من مصدر حرام .. وتم زفافي وسط جو كئيب من التعاسة واللامبـــــالاة .. فتخيلوا أن أمي لم تفكر حتى في توجيه أي نصيحة لي تلك الليلة أو حتى إلقاء نظرة على زينتي وماكياجي الذي وضعته أنا على وجهي ولم تتفقد أغراضي التي أحتاج إليها في بيتي الجديد.. أتعلمون ما أول شيء وضعته في حقيبتي ، وضعت دروسي وكتبي والتي كنت أتعلق بها كما يتعلق الطفل الصغير بثوب والدته خشية ضياعه منها في دروب الحياة الغامضة .
ودخلت داري الجديدة ، عفواً أقصد سجني وبمجرد أن أغلق الباب وراءه بدأ بافتراسي كما يفترس الذئب ضحيته بكل وحشية ودموية حاولت الهرب منه ولكنه لم يمهلني بل بدأ بتمزيق فستان زفافي ومعه مزق كل معنى جميل كنت أحاول رسمه لحياتي القادمة ..
وبعد أن انتهى من جريمته تناول شرابه الكريه واستلقى على فراشة كثور ضخم متبلد الإحساس دون حتى أن يكلمني أو ينظر إلى وجهي وارتفع صوت شخيره البغيض وهو أشبه بصوت طرق عنيف على أذني .. ولكم أن تتخيلوا فتاة في الخامسة عشر من عمرها في هذا الموقف المروع الذي اغتال آدميتها ونقاءها ، أخذت أرتجف بألم وأجفف جراحي النازفة وأهدئ من روعي المتصاعد من هذا الوحش الآدمي .. الذي يرتدي عباءة الزوج ..
خمس سنوات مرت من عمري دفعتها كفاتورة قاسية للجشع والطمع اللذين أعميا أبصار أهلي ، خمس سنوات من عمري دفعت ثمنها غالياً وذقت فيها كل ألوان العذاب من ضرب بالسياط والنعال – أكرمكم الله – والحبس وحتى الحرمان من الطعام وكأنني خادمة يتيمة في قبضة سيد اشتراها من ماله فهو يتحكم بها كيفما يشاء .. كل ذلك لم يقهرني بقدر ما قهرني وجعلني أنزف من الداخل حرماني من الدراسة ورفضه التام لذهابي إلى المدرسة أو حتى لانتسابي وأدائي للاختبار نهاية العام ، أصبحت أَشْبَهَ بهيكل عظمي نتيجة الهم والغم الذي أصابني بسبب حرماني من الدراسة ، ولكن الله الرازق الرحيم يشاء أن يهبني أطفالاً يشغلونني عن كثرة التفكير بحرماني من الدراسة التي أعشقها إلى درجة لا يتصورها إنسان ، أنجبت ولدين وبنتاً خلال خمس سنوات فقط وأنا في العشرين من عمري لقد عاهدت نفسي أن أجنب أطفالي جميع ما مررت به في طفولتي من ألم الإهمال وعدم الإحساس بالأبناء.. ولكن أنى لي ذلك وأبوهم إنسان متجرد من شرف الأبوة ؟ فبمجرد أن يشرب الخمر ويصبح ثملاً فإنه يقوم بضربي وإياهم على أتفه الأسباب .. أتدرون أنني في أغلب الليالي الطويلة كنت أحتضنهم وأنام وإياهم ونحن جالسين خوفاً من أن يقوم بقتلنا كما كان يتوعد دائماً؟!
أما حين يكون بحاجة للمخدر ولا يجده فإنه يقوم بتحطيم الأثاث وتكسير الأواني وطردي مع أطفالي إلى الشارع وكثيراً ما قام جيراننا الطيبون بإيوائنا رحمة وشفقة بنا .
ولعلكم تتساءلون عن والديَّ ودورهما في مساعدتي ؟ اسمحوا لي أن أصدمكم بقولي :إنهما لم يحركا ساكناً تجاه ما يريانه من أحداث مؤلمة تحيط بي . وكاد اليأس أن يتسلل إلى نفسي من هذه الحياة السوداء التعيسة التي أعيشها ولكن قوة إيماني بربي كانت تحول بيني وبين هذا الشبح البغيض .. دعوت الله في تلك الليالي المدلهمة أن يفرج كربي ويزيل عني هذا البلاء الذي تعجز نفسي المرهفة عن تحمله! واستجاب الله لدعائي .. ففي ذات يوم سمعت صراخ الجيران من حولنا وهم ينادون علي " يا أم فلان .. زوجك .. زوجك " ركضت أنا وأطفالي مسرعين خرجنا من الدار لنرى ما حدث .. لقد قام زوجي السكير بالعراك مع رجل من زبائنه اختلف وإياه على ثمن قطعة هيروين فتطاعنا بالسكين فطعنه زوجي طعنات قاتلة فمات على الفور ..
لقد شاهدت زوجي المجرم وقد تلطخت ملابسه بالدماء وهو يرتجف بين أيدي رجال الشرطة ، كما يرتجف الفأر المذعور حين يقع في المصيدة ، كانت شفتاه تميلان إلى اللون الأبيض من هول الموقف ، وأطرافه لا تكاد تحمله ، أما عيناه فكانتا زائغتين ينظر إلى الناس من حوله بذهول .
أما أنا فلا تسألوني عن مشاعري المضطربة حينها ، لا أدري أهي لحظات سعادة ، أم شماتة أنتظرها من زمن طويل، أم هي مشاعر ألم هيجتها ذكرياتي المؤلمة ، لم أشعر إلا وأنا أردد: الحمد لله ..
الحمد لله ، تذكرت تلك الليلة الحزينة ليلة زفافي الأليمة ، رجل سكير يحمل بين جنبيه قلباً من صخر لا رحمة فيه ولا شفقة ، وارتجافي بين يديه بخوف ، لم أكن أعلم أين أفر ، ولم يكن لي مهرب تذكرت ، دموعي الساخنة في تلك الليلة السوداء ، يا إلهي هاهو الزمن يعيد تصويره العجيب إنه اليوم في نفس موقعي بالأمس ، يا لها من دنيا عجيبة .
وبعد أسبوع فقط من القبض عليه وقبل حتى أن تبدأ محاكمته ، جاءت قدرة الله تعالى ليموت بعد ارتفاع الضغط وإصابته بنزيف دماغي ، أتتخيلون البلبل الصغير حين يفتح له باب القفص فجأة فيتردد في الانطلاق ظناً منه أن ذلك حلم ، كنت أنا مثله تماماً ، بصقت على دولاب ملابسة وعلى كؤوس خمره القذرة وعلى سوطه الذي ألهب جسدي وجسد أطفاله من ضرباته المؤلمة بصقت على كل شبر في منزلي سار عليه ودنسه برجليه الكريهتين، وجاءت أسرتي تعزيني بوفاته وأنا التي لم أرهم منذ سنتين فكانت أول كلمة قالتها أمي حتى قبل أن تقبلني " الله يرحمه .. هل عنده ورث ؟"!! ولولا خوفي من الله لطردتها وطردتهم جميعاً ، ومن تقدير الله أن زوجي كان مديوناً وحين علمت أسرتي بذلك لم أعد أراهم ، فقد خافوا أن أشكل عليهم عبئاً إضافياً عليهم أنا وأطفالي ، شعرت بالألم الممزوج بالقهر ، فيالها من بيعة خاسرة تلك البيعة التي أبرمها أهلي مع ذلك الجلاد .. خمس سنوات من عمري ضاعت ، وحين كان أهلي يستعدون لجني الأرباح وجدوا أن الأسهم خاسرة .. ففضلوا الهرب بعيداً ، جلست أفكر ملياً فأنا الآن أمام مفترق الطرق، فأنا أرملة جميلة في العشرين من عمري لدي ثلاثة أطفال ، وليس لدي مورد رزق .. ماذا أفعل ؟!! أمامي طريقان أسلكهما الأول هو طريق الكفاح والصبر .. والأمل البعيد ، والثاني طريق الكسب السريع حين أبيع أنوثتي للراغبين في امرأة جميلة ووحيدة .
اخترت الطريق الأول بلا تردد.. فأهم شيء حصلت عليه من رحلتي المؤلمة أنني أصبحت حرة ليس لهؤلاء عديمي الرحمة والشفقة قيد علي فكان أول ما فعلته أنني بعت آخر قطعة ذهب خبأتها عندي بمبلغ لا بأس به ورحلت عن هذا المنزل الكريه الذي شهد أسوأ ذكرياتي .. وانتقلت أنا وأطفالي إلى مدينة بعيدة وهناك استأجرت غرفة صغيرة بحمامها ، واشتريت موقداً صغيراً وسريراً مستعملاً ليضمني أنا وأطفالي ، وبعض الأواني القديمة المستعملة ، أعترف أنها غرفة حقيرة حتى في نظر الفقراء ولكن ما جعلها مثل الحلم بنظري هو أنني وحدي فيها مع أطفالي فأنا التي أحدد مصيري بعد إرادة الله طبعاً فلا أحد بعد اليوم سيرسم لي طريق حياتي البائسة .
بدأت أبحث عن عمل شريف أعيش منه وأنا صغاري ولقد سخر الله لي جيران طيبين ساعدوني كثيراً فقد كانوا يتصدقون علينا ببعض الطعام والملابس القديمة وأحسنوا إلى فجزاهم الله عني خير الجزاء ووجدت عملاً حكومياً كمستخدمة في إحدى المدارس الثانوية القريبة من بيتي ، ولا أنسى أول راتب قبضته في حياتي ، صحيح أنه كان بسيطاً ولكن دموعي انهمرت من عيني لحظة استلامه بكيت كثيراً وحمدت الله على رزقه وإعانتي على لقمة العيش الشريفة ، اشتريت لأطفالي ملابس جديدة وألعاباً وطعاماً طيباً ولأول مرة منذ أربعة أشهر أطبخ لحماً ودجاجاً لأطفالي ، واشتريت لهم بسكويتاً وشوكولاته ، كنت أرى السعادة تتراقص في أعينهم وهم يتلذذون بما أحضر لهم خاصة حين هجرنا الخوف من ذلك المجرم الذي كان يضربنا في كل لحظة وكأننا كلاب شريرة جاءت تتسول على بابه .
مرت سنة كاملة على وأنا في وظيفتي استطعت خلالها أن أكسب احترام مديرتي وتعاطف المعلمات وحب الطالبات بما منحني الله من تفانٍ بالعمل وإخلاص ، وذات يوم سألت نفسي لم لا أكمل تعليمي الثانوي خاصة أنني في مدرسة ثانوية وعرضت الأمر على مديرتي فشجعتني كثيراً وفعلاً قدمت أوراق انتسابي وكانت صدفة أن ابني البكر يدرس في الصف الأول الابتدائي وأنا في الصف الأول ثانوي ، اجتهدت كثيراً في دراستي بالرغم من الأحمال الملقاة على عاتقي كأم وموظفة وطالبة ، وفي خلال ثلاث سنوات حصلت على شهادة الثانوية العامة بنسبة سبع وتسعين بالمئة وكانت هذه النسبة مفاجأة لكل من حولي بكيت كثيراً وأنا أرى ثمار جهدي بدأت تنضج ..
انتقلت من عملي كمستخدمة وقدمت على وظيفة كاتبة في إحدى الدوائر الحكومية براتب جيد بالإضافة إلى تقديم أوراق انتسابي إلى الجامعة قسم التربية الإسلامية ، استأجرت شقة صغيرة مكونة من غرفتين وصالة ومطبخ مستقل وحمام ولأول مرة يدخل التلفزيون إلى بيتنا بعد أن أخذت سلفه من البنك أثثت فيها الشقة أثاثاً جديداً صحيح أنه كان بسيطاً ولكنه لم يكن مستعملاً وبدأت أرتاح نوعاً ما في حياتي خاصة أن أطفالي جميعهم دخلوا المدارس وأصبحوا من المتفوقين دراسياً وأخلاقياً ، اشتريت لأطفالي ما كانت نفوسهم تهفو عليه من ألعاب رخيصة ، وملابس بسيطة وحاولت قدر الإمكان أن أعوضهم عن حاجتهم إلى العائلة الكبيرة ، فكونت صداقات عميقة مع زميلات وأخوات في الله ، كن نعم العون لي فكنا نذهب في نزهات وزيارات معاً نُروح عن أطفالنا والذي كان يثلج صدري ويمنحني الصبر والأمل هو نظرات الحب التي كنت أراها في عيون أطفالي وتلك القبلات اللذيذة التي كانوا يعطرونني بها بمناسبة أو بدونها .
مرت أربع سنوات عصيبة حصلت فيها على البكالوريس بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى ثم استقلت من عملي ككاتبة وتم تعييني معلمة في مدرسة ثانوية كان ابني الكبير في الثالثة عشرة من عمره حين أصبحت معلمه احتضنني بقوة وهو لا يكاد يغالب دموعه قائلاً " أمي انا فخور بك أنت أعظم أم في العالم " واحتضنتهم جميعاً وظللنا نبكي بلا شعور لساعات طويلة ، ولأول مرة في حياتي اقبض مرتباً ضخماً ، تصدقت بنصفه كشكر لله على نعمه المتوالية علي وبما يسر لي من أسباب الرزق وبنصفه الباقي اشتريت لأطفالي جميع ما يحتاجون إليه وبدأت فيما بعد أدخر جزءاً كبيراً منه لبناء منزل خاص بنا ، وقدمت على الماجستير وحصلت عليها خلال سنتين فقط بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف ، وبدأت في بناء منزلنا الكبير المكون من طابقين به عشر غرف وصالتان ومطبخ ومستودع وحديقة كبيرة ومسبح جميل وقدمت على الدكتوراه وكان مشوارها صعباً جداً وخاصة أن أطفالي بدؤوا يكبرون ويتدرجون في فصولهم فكان الإرهاق يكاد يقتلني أحياناً وأنا أشتت نفسي بين عملي كمعلمة وبين مذاكراتي للدكتوراه وأبحاثي وبين مذاكرة أولادي وبين الإشراف على البناء والتأثيث والذي كان أثاثاً فخماً ورائعاً ، وحصلت خلالها على درجة الدكتوراه وبامتياز أيضاً مع مرتبة الشرف وتم تعييني كأستاذة في الجامعة ، وأنا في السابعة والثلاثين من عمري أتعلمون لحظة استلامي لشهادتي بمن فكرت ؟ لقد فكرت بأمي ! تُرى لو رأتني في هذا المشهد فهل كانت ستبكي من الفرح ، أم أنها ستسألني عن العائد المادي الذي سأجنيه من وراء ذلك ؟!
ولكن لا تعتقدوا أني إنسانة عاقة لوالدتي أو أنني لم أحاول صلتها في ما مضى بل بالعكس لقد ذهبت إليها أكثر من مرة خلال مشوار حياتي فوجدتها كما هي لم تتغير تتسكع بين بيوت الجيران وتهفو إلى المال دائماً أياً كان مصدره حتى إنها كثيراً لا تسال شقيقاتي من أين يأتين بالمال بل أهم من ذلك أن يعطينها شيئاً منه ، أما والدي فقد توفي بعد زواجي بسنة واحدة .
اقتطعت جزءاً من مرتبي شهرياً وكنت أرسله لأمي بانتظام إلى أن توفاها الله بعد ذلك .. أما إخوتي وأخواتي فلم يكن يُشرفني التعرف إليهم أو تواجدهم في حياتي فابتعدت عنهم من أجل أبنائي ، ابتسمت الحياة لي بعد عبوس طويل فها أنا الآن لي مركزي الاجتماعي وأعيش في بيت فخم وعندي الخدم والسائقون وأبنائي جميعهم قد تخرجوا من جامعاتهم العلمية فابني الكبير أصبح طبيباً جراحاً والآخر مهندساً معمارياً والصغرى طبيبة أطفال ، وقد زوجتهم جميعاً وأصر ابني الكبير أن يعيش هو وزوجته معي فملآ علي البيت بالحياة وضحكات الأحفاد وها أنا الآن في الخامسة والخمسين من عمري .
قصتي هذه أهديها إلى كل يائس ومحبط لعل بها من بصيص الأمل ما يبدد لحظات اليأس في حياته !!
وصدقوني لو استسلمت لليأس ولحظاته المريرة لما وصلت إلى هذه الحياة التي أعيشها الآن بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل تمسكي بالأمل رغم كل الخطوب من حولي .
اليأس قاتل حين نشرع له أبوابنا كضيف ثقيل لا يبالي بمشاعر الاخرين .. فيا أيها البائس إياك أن تفتح له بابك وإن ادلهمت من حولك الصعاب ...!! فصدقوني ومن تجربة خضتها واستطعت النجاح فيها ليس هناك أجمل من التفاؤل والتشبث بالأمل حتى وإن كان صغيراً ) .
وأنا أروي القصة لكم بلا تعليق .. ليعلق عليها كل واحد من القراء بما يشاء!.
قصة رائع .. دمعت عيني من كلماتها .. وزرعت لي الاصرار ومحاولة نزع اليأس من داخلي .. فكل شي جميل يستحق المثابرة والاصرار .. والطريق التى سلكتة هذه المرة .. كان صعب لكن اردتها وطموحها وثقتها واتصالها بالله كان اقوى من كل الضروف .. فأسال الله لي ولكل يأس الثبات على الطريق التفاؤل والاصرار .. آمين اللهم آمين
ردحذف